في مشهد بطولي يعكس أسمى معاني الشهامة والإنسانية، تصدّر اسم مواطن سعودي عناوين الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي بعد أن أنقذ 21 شخصًا من موتٍ محقق أثناء كارثة سيول جدة التي شهدتها المملكة العربية السعودية مؤخرًا. هذا المواطن الذي فضّل عدم ذكر اسمه في البداية، عاد ليكشف تفاصيل القصة الكاملة، وكيف عرض عليه أهالي الناجين هدايا باهظة الثمن شملت 9 أراضٍ و11 سيارة فاخرة، لكنه رفضها جميعًا، متمسكًا بأمنيته الوحيدة التي لم تكن سوى “دعوة صادقة بظهر الغيب”.
كارثة سيول جدة.. مأساة طبيعية تهز القلوب
شهدت مدينة جدة واحدة من أعنف موجات السيول في تاريخها، حيث هطلت أمطار غزيرة فاقت التوقعات، ما أدى إلى غرق شوارع بأكملها وانجراف سيارات وإغلاق طرق رئيسية. وعاشت المدينة ساعات عصيبة، إذ علقت مئات الأسر في منازلهم أو سياراتهم وسط المياه المتدفقة.
ورغم التحذيرات التي أصدرتها الدفاع المدني والجهات المعنية قبل موجة السيول، إلا أن قوة العاصفة فاجأت الجميع، فتحولت بعض الأحياء إلى بحيرات ضخمة. ووثّقت مقاطع الفيديو والصور المتداولة حجم الدمار والخسائر، فيما علت أصوات الاستغاثة من المواطنين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة خطر الموت.
وسط هذا المشهد المأساوي، ظهر شاب سعودي يبلغ من العمر 34 عامًا ليصبح حديث المملكة. فقد خاطر بحياته مرارًا لإنقاذ الأرواح العالقة وسط السيول، مستخدمًا مهاراته في السباحة وقوته البدنية ومعرفته بأحياء جدة، ليكتب لنفسه سطرًا من الفخر في ذاكرة الوطن.
بداية القصة: “سمعت صراخ أطفال.. ما فكرت إلا أنقذهم”
في حديث حصري معه، روى المواطن السعودي تفاصيل أول لحظة دفعته للتدخل:
“كنت راجع من عملي، والأمطار كانت شديدة جدًا. وقفت سيارتي في مكان مرتفع لما شفت مياه السيول بدأت تزداد. فجأة سمعت صوت أطفال يصرخون من داخل سيارة محاصرة بالمياه. ما فكرت ولا لحظة، نزلت وحاولت أوصل لهم.”
وبالفعل، تمكّن من كسر نافذة السيارة وإخراج طفلين مع والدتهم. هذه الحادثة كانت مجرد البداية لسلسلة عمليات إنقاذ نفذها بنفسه على مدار ساعات، مستخدمًا حبلًا أحضره من سيارته وسترة نجاة صغيرة كان يحتفظ بها منذ رحلاته البحرية.
إنقاذ 21 شخصاً في ليلة واحدة
تحوّل هذا المواطن خلال ساعات قليلة إلى “بطل حي” كما وصفه جيرانه. فبعد إنقاذ الأسرة الأولى، لم يتوقف. توجه إلى مناطق أخرى سمع منها أصوات استغاثة، واستطاع بمساعدة بعض الشباب سحب سيارات علقت وسط مجرى السيول.
“كنت حاسس أن كل دقيقة تفرق بين الحياة والموت. ما كنت أفكر في نفسي، كنت أشوف قدامي أطفال وأمهات وآباء في لحظات رعب.”
وبفضل شجاعته وإصراره، تمكن من إنقاذ 21 شخصًا، بينهم نساء وأطفال وكبار في السن. بعضهم كان على وشك الغرق، وآخرون كانوا محاصرين داخل سياراتهم.
العروض المغرية: “9 أراضٍ و11 سيارة”
لم تمر هذه البطولة مرور الكرام، فبعد أيام من انتهاء الأزمة، توافد أهالي الأشخاص الذين أنقذهم لتقديم الشكر والعرفان. بعضهم عرض عليه هدايا ثمينة، مثل سيارات جديدة من طرازات فاخرة، وحتى قطع أراضٍ في مواقع مميزة داخل جدة وخارجها.
“أهل واحد من الأطفال اللي أنقذتهم عرضوا علي أرض في شمال جدة، وقالوا لي: هذا أقل شي نقدمه لك. ناس ثانية عرضوا سيارات. صراحة انبهرت من كرمهم، بس ما قدرت أقبل.”
ورغم أن قيمة هذه الهدايا تقدر بملايين الريالات، فإن المواطن السعودي رفضها جميعًا بابتسامة هادئة.
السبب وراء الرفض: “ما سويت شيء عشان مقابل”
حين سُئل عن سبب رفضه لهذه الهدايا، أجاب بكل وضوح:
“أنا ما دخلت وسط السيول عشان هدية أو شكر. أنا مسلم، وهذا واجب علينا. ما أقدر أبيع إنسانيتي بأي ثمن. كل اللي أتمناه دعوة صادقة من القلب.”
كلماته لامست قلوب الكثيرين، وانتشرت قصته على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ردود فعل المجتمع السعودي
أشعلت قصة هذا المواطن موجة من الإعجاب والإشادة. غمرت التعليقات منصات “إكس” و“إنستغرام” و“تيك توك” بكلمات الثناء، واعتبره الكثيرون نموذجًا للشهامة السعودية.
وكتب أحد المغردين:
“هذا الرجل يستحق وسام شرف من الوطن، مش بس كلمات شكر. بطولة نادرة في زمن صعب.”
فيما دعا آخرون الجهات الرسمية لتكريمه رسميًا، معتبرين أن مواقفه تجسد صورة المواطن السعودي الشجاع الذي يهب لنصرة الآخرين دون انتظار مقابل.
الأمنية الوحيدة: “سلامة البلد وأهله”
حين سُئل عن أمنيته بعد كل ما حدث، أجاب بابتسامة صادقة:
“ما أبي شي من الدنيا. كل اللي أتمناه أشوف بلدي دايمًا بخير، وأهل جدة ما يمرون بليلة مثل هذي مرة ثانية. والله لو رجع الزمن كنت بسوي نفس الشي.”
هذه الأمنية البسيطة عكست عظمة قلبه، وأثبتت أن البطولة لا تحتاج إلى مقابل مادي، بل هي موقف وشجاعة وإحساس بالمسؤولية.
السيول تكشف معادن الرجال
ليست هذه الحادثة الأولى التي تشهد فيها السعودية مواقف بطولية لمواطنين عاديين. ففي كل كارثة طبيعية أو حادثة طارئة، يبرز دائمًا أبطال مجهولون يقدمون حياتهم فداءً للآخرين. لكن قصة هذا المواطن السعودي خلال كارثة سيول جدة تظل مثالًا ناصعًا يُروى للأجيال القادمة.
جهود الجهات الحكومية
من جانبها، بذلت السلطات السعودية جهودًا كبيرة للسيطرة على تداعيات كارثة سيول جدة. فتم نشر فرق الدفاع المدني والشرطة والهلال الأحمر في كل الأحياء المتضررة، إلى جانب استخدام المروحيات لإنقاذ العالقين في بعض المناطق.
وأعلنت أمانة جدة لاحقًا خططًا عاجلة لتطوير شبكات تصريف الأمطار وتحسين البنية التحتية للمدينة، بهدف منع تكرار مثل هذه الكوارث.
دراما إنسانية صنعت بطلًا
قصته ليست مجرد حادثة إنقاذ، بل رسالة إنسانية قوية للعالم. ففي الوقت الذي يسعى فيه البعض وراء الشهرة أو المكاسب، اختار هذا المواطن السعودي أن يكون بطلًا صامتًا، رافضًا كل العروض المغرية، مكتفيًا بالعرفان والدعوات.
القصة اليوم تلهم الآلاف داخل المملكة وخارجها، وتؤكد أن القيم الأصيلة التي تربى عليها السعوديون ما زالت حاضرة بقوة، وأن في المحن تظهر المعادن الحقيقية للرجال.
ستظل كارثة سيول جدة ذكرى حزينة محفورة في ذاكرة سكان المدينة، لكنها أيضًا أصبحت شاهدًا على بطولة نادرة. هذا المواطن السعودي الذي أنقذ 21 شخصًا ورفض 9 أراضٍ و11 سيارة، اختار أن يجعل إنسانيته أغلى من كل ثروات الدنيا.
إنها قصة تلخص معنى الشجاعة الحقيقية، وتقدم قدوة ملهمة لكل من يبحث عن معنى الرجولة والمروءة. وربما تكون دعوة بظهر الغيب وصلت إلى قلبه، فارتفعت مكانته في عيون الناس، قبل أن ترتفع في ميزان السماء.